الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب الآجرومية
98438 مشاهدة
المنصوبات

المنصوبات خمسة عشر: وهي المفعول به، والمصدر، وظرف الزمان، وظرف المكان، والحال، والتمييز، والمستثنى، واسم لا، والمنادى، والمفعول من أجله، والمفعول معه، وخبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها. والتابع للمنصوب، وهو أربعة أشياء: النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل.


قد تقدم أن الإعراب هو: رفع ونصب وخفض وجزم، وأن الأسماء منها مرفوع، ومنصوب، ومخفوض، والخفض يعبر به عن الجر. وأما الأفعال: منها مرفوع ومنصوب ومجزوم. وتقدمت الأفعال وما يكون فيها منصوبا أو مرفوعا أو مجزوما. وتقدم أيضا ما يتعلق بمرفوعات الأسماء.
والآن بدأ في المنصوبات، وذكر أنها خمسة عشر، ويراد بها جميع ما يمكن أن يسمى منصوبا، وهو من الأسماء، يعني: استوفى ما قيل إنه منصوب، أو إنه يُنصَب وهو من الأسماء. والنصب: حركة الفتح، سواء مع تنوين، أو مع غير تنوين، يسمى كله منصوبا.
وقد تقدم أن التنوين يختص بالأسماء التي تنصرف، وعدمه في الأسماء التي لا تنصرف. فالمفعول به كما سيأتينا إما أن يكون مصروفا، وإما أن يكون غير مصروف، فإذا كان مصروفا فإنه منون، يعني: في آخره نون ساكنة زائدة ينطق بها، ولا تكتب مع الاسم، فإذا قلنا مثلا: أشهد أن محمدا رسول الله: فمحمدا منصوب؛ لأنه اسم إن، وإذا قلت مثلا: أرسل الله محمدا وإبراهيمَ ونوحا وهودا وهارونَ وصالحا وشعيبا وداودَ وكان فيها ما هو منون: مثل نوحا وهودا وشعيبا وما فيها غير منون نحو: إبراهيم ويوسف وإسماعيل وداود وأيوب
وكلها منصوبة، وعلامة نصبها: الفتح. ولكن منها ما هو مفتوح فتحة مع تنوين، نحو: نوحا وهودا ومنها ما فتحته بدون تنوين، مثل: إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وهارون . هذا، ويأتينا إن شاء الله أمثلة للمفعول به، وتعريفه أيضا في الباب الذي بعده.
وأما المصدر فيأتينا أيضا تعريفه، وذلك لأن الفعل يدل على أمرين: يدل على الحدث، ويدل على الزمان، فالمصدر هو: اسم الحدث الذي حدث من ذلك الفاعل، فإنك تقول: ضربته ضربا، علمته تعليما، وجاهدت جهادا كثيرا، وتقول: فلان يقرأ قراءة مرتلة، أو سوف يقرأ قراءة مرتلة، فتكون هذه كلها مصدرًا؛ لأنها اسم للفعل. ويأتينا أيضا تعريفه، ويأتينا أيضا تعريف الظرف.
كلمة الظرف في الأصل: اسم للوعاء الذي يضم غيره، فإنا نقول مثلا: هذا المسجد ظرف للمصلين، بمعنى أنهم في داخله، فكأنه وعاء لهم. كما يقال: الكأس أو القدح ظرف للماء الذي يجعل فيه. ذكروا أن الظرف إما أن يكون ظرف زمان، أو ظرف مكان. والزمان هو: الوقت، وهو يصلح أن يكون ظرفا، فتقول: صمت يوما، يوما هذا يسمى ظرفًا فجعلت الصيام في اليوم. وسرت ليلة، هذا ظرف زمان، ودرست سنة، السنة أيضا: ظرف.
والمكان يراد به الموضع الذي يضم غيره، فتقول مثلا: جلست أمامك، وأمامك ظرف، أو تقول: صعدت فوق السطح، فوق: ظرف، أو نمت تحت الفراش، هذا أيضا ظرف. الظرف اسم للمكان الذي يضم غيره، وسيأتينا أيضا تعريفه، وكذلك أيضا تعريف الحال، الذي هو: وصف للحالة التي يكون عليها صاحب الفعل، حالته التي يوصف بها؛ ولذلك يسمى حالا، أي أنه في تلك الحال. إذا قلت مثلا: زرت فلانا راكبا، أي في حال الركوب، أو وقفت عند فلان قائما، أو لقيت فلانا ضاحكا.كذلك يأتينا أيضا تعريف التمييز. التمييز الذي هو: بيان الهيئة، أو بيان العدد الذي تريد إيضاحه، وهو من منصوبات الأسماء. فإنك مثلا تقول: ملكت عشرين بعيرا، بعيرا: تمييز، أو عندي مثلا خمسون ثوبا، ثوبا: تمييز. وكذلك إذا قلت: تصبب زيد عرقا، هذا تمييز. وأما اسم لا، فقد ذكروا -كما يأتينا- أنها تعمل عمل إن إذا كانت في نكرة، تارة تفرد، وتارة تثنى. وأوضح مثال كلمة الشهادة: لا إله إلا الله. يقال في إله: اسم لا، ولا ينصب.
وكذلك إذا قلت: لا أحد في الدار. يأتينا أيضا تمثيل لذلك. وكذلك المنادى، فإنه من جملة المنصوبات، يعني: أحيانا ينصب، وأحيانا يرفع، فالمنصوب هو: المنكر غير المقصود. يتكلم بعض الوعاظ مثلا، أو الخطباء، فيقول: يا غافلا عن الآخرة تَنَبَّهْ لما أمامك، يا معرضا عن ذكر الله أقبل على ما ينفعك. ينادي ولكن لا ينادي شخصا معينا، يا غافلا، يا ساهيا، يا لاهيا، لا ينادي شخصا معينا، فيقال: هذا المنادى منصوب لكونه غير مقصود، وكذلك إذا كان مضافا فإنه يُنْصَبُ، والمضاف إليه مجرور. إذا كان مضافا، فإنك تنادي من اسمه عبد الله، لا تقل: يا عبدُ الله، قل: يا عبدَ الله. ويأتينا أيضا تكميل التمثيل له.
وكذلك المفعول معه، والمفعول لأجله، كما سيأتي. وأما كان وأخواتها، فقد تقدم ما هو منصوب. وكذلك إن وأخواتها، تقدم أيضا ما هو منصوب منها، وكذلك التوابع قد تقدمت كلها يعني: التوكيد، والنعت، والعطف، والبدل. وإنما ذكرها لأنها من جملة منصوبات الأسماء، أي: فيها ما هو منصوب. ذكرها هنا مجملة، ثم جعل لها أبوابا مفصلة.